بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وال محمد الائمة والمهدين وسلم تسليما كثيرا
رسول (ص):الهجرة إلى الله والاستبدالعند ما ألَحّوا أهل مكة وقريش بالأذى على رسول (ص) ، أضطر إلى الهجرة . وهاجر أولا إلى الطائف ، إلى ثقيف الذين كان يأمل منهم الأيمان به ونصرته ، ولكنهم خذلوه ولم يقبلوا دعوته ، بل وآذوه فجلس يتحسر على قومه ، الذين يدعوهم إلى ما يحييهم ، وهم يريدون هلاكه والقضاء عليه .ورفع رأسه إلى السماء وتفوه بتلك الكلمات المملوءة بالألم(اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا ارحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتهجمني أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك أوسع لي . أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ،من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك)[1]. وشاء الله بعد هذه المدة أن يقيّض لرسول الله (ص) جماعه من الآوس والخزرج ، ليحملوه إلى يثرب ، المدينة التي أسست لانتظاره.مدينة اليهود : الذين يترقبون ظهوره وقيامه . فهذه المدينة أسسها اليهود لينتظروا النبي الخاتم (ص) الذي بشر به أنبياءهم ، ولينصروه حسب زعمهم ، فهاجروا من بلاد الشام إلى الجزيرة العربية بحثاً عن المكان الموعود الموصوف لهم بين جبلي أحد و أير . واخيراً وجدوه ، واستقروا فيه وأسسوا مدينة يثرب ، ولما جاءهم الملك اليمني ، تبع بجيشه سألهم عن سبب هجرتهم . فاخبروه انهم ينتظرون نبي يبعث ويستقر في هذا المكان ، فأبقى من ذريته في يثرب لينصروا النبي (ص) عند بعثه ، وهؤلاء هم الآوس والخزرج ، فكان اليهود كل ما وقع خلاف بينهم وبين الآوس والخزرج ، هددوهم بالنبي الأمي (ص) الذي سيبعث - وحسب زعمهم انهم ينتظرونه وسيكونون اتباعه وأنصاره وحواريه .قال تعالى : (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)البقرة:89 .
وهاجر المسلمون إلى المدينة بعد مرحلة عناء طويلة قضوها في مكة وتبعهم النبي (ص) ، وهو يحمل صوره مؤلمة ومزرية لأهل مكة قومه الذين كذبوه وآذوه ومن آمن معه وأخيرا أخرجوه خائف يترقب وتوجه تلقاء المدينة ، وكان المفروض أن يكون اليهود أول المستقبلين له ، والمرحبين بقدومه المبارك إلى مدينتهم التي أسسوها لاستقباله ، وأن يكونوا أول من يؤمن به وينصره ، ولكنهم خذلوه وكذبه علماءهم وحاولا استخفاف الناس ، وحملهم على الكفر به وبنبوته ، فلم ينتفعوا بالعلم الذي كان عندهم . بل جعلوه سبباً (لتكبرهم وتعاليهم) على النبي (ص) ، وضرب الله لهم بلعم ابن باعور مثلاً في القران ليرتدعوا ويثوبوا إلى رشدهم ويتوبوا إلى ربهم ، ولكنهم ازدادوا عناداً وتكبراً كالجيفة عندما ينـزل عليها المطر الطاهر تزداد نتـناً وعفونة .ولو أمعنا النظر في حال اليهود لوجدناهم قد فوجئوا بأمور الأول : أن النبي (ص) ليس إسرائيلياً ، فإذا كانوا قد اعترضوا على طالوت (ع) لعدم كونه من ذرية يوسف بيت الملك والاخر ذرية لآوى بيت النبوة مع أن طالوت من ذرية بنيامين شقيق يوسف أي انه إسرائيلي ، فان اعتراضهم على النبي أمر متوقع قال تعالى (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) آية الشهادةأما الأمر الثاني :- فهو أن بعض العقائد والأحكام الشرعية التي أتى بها رسول الله (ص) تختلف عن عقائدهم وأحكامهم الشرعية المحرفة التي كانوا يدعون إنها شريعة موسى (ع) ، مع أن علمائهم قد حرفوا الكثير منها حتى قبل بعث عيسى (ع) والثالث أن رسول الله (ص) سيسلب من علماء بني إسرائيل مكانتهم ورئاستهم الدينية الباطلة ، كما أن عدالته في توزيع الأموال ستسلبهم الخصوصية التي كانوا يتمتعون بها ، فأن اتبعوه لن يتمكنوا من الاستئثار بأموال الصدقات . ورد في تفسير(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) البقرة : 44
.عن الأمام العسكري (ع) :(وكان هؤلاء قوم من رؤساء اليهود وعلماؤهم احتجبوا أموال الصدقات والمبرات ، فأكلوها واقتطعوها ثم حضروا رسول الله (ص) وقد حشروا عليه عوامهم ، يقولون أن محمد تعدى (طوره وادعى ما ليس له … ) .ثم قال الأمام العسكري (ع) قال رسول الله (ص) مخاطبا اليهود وعلمائهم:(يا معاشر اليهود هؤلاء رؤسائكم كافرون ولأموالكم محتجبون ولحقوقكم باخسون ولكم في قسمة ما اقتطعوه ظالمون يخفضون ويرفعون ، فقالت رؤساء اليهود حدثّ عن موضع الحجة بنبوتك و وصاية أخيك . هذا ودع دعواك الأباطيل وإغرائك قومنا بنا .فقال رسول الله (ص) (لا، ولكن الله عز وجل قد آذن لنبيه أن يدع بالأموال التي خنتموها لهؤلاء الضعفاء ومن يليهم)[2]وكانت النتيجة أن اخذ حب ألانا . واتباع الهوى من علماء بني إسرائيل كل مأخذ ، ومنعهم التكبر من اتباع النبي الأمي (ص) ، ولم يؤمن بالنبي منهم إلا قليل . وهكذا فشل المنتظرون مرة أخرى في الانتظار . كما فشلوا في انتظار عيسى (ع) وموسى من قبله .والحقيقة التي يجب أن يلتفت أليها هي أن هؤلاء اليهود الذين فشلوا في انتظار النبي محمد (ص) هم ذراري أولئك الذين هاجروا في سبيل الله وأسسوا مدينة يثرب لانتظار النبي الخاتم (ص) . قال تعالى (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) مريم:59
.أما النصارى فقد كان لغلوهم بعيسى (ع) ، ولتحريفهم لسيرته وتعاليمه ، أو ما يسمى بـ (الإنجيل أو العهد الجديد) كما كان لفهمهم الخاطئ في بعض الأحيان لكلامه (ع) ، والأنبياء (ع) يتكلمون أحيانا بالرموز والأمثال ، والحكم ليقربوا بعض الحقائق للناس ، أقول إن مجموع هذه الأمور تضافرت ليجد القوم في طياتها السبل للخروج عن جادة الصراط المستقيم ، وتأليه عيسى (ع) ثم عدم الأيمان بنبوة محمد (ص) ووصاية علي (ع) . مع انه بعضهم آمنوا بالنبي (ص) كما مر أن أول وفد آمن بالنبي (ص) هو وفد من نصارى الحبشة وفي التوراة والأناجيل الأربعة الموجودة اليوم والمقبولة لدى النصارى توجد بعض الإشارات إلى النبي محمد (ص) وعلي (ع) ، وكثير من الإشارات إلى المهدي (ع) من ولده . أما في إنجيل برنابا فهناك تصريح من عيسى (ع) انه جاء ليبشر بمحمد (ص) ورجل آخر رمز له بالمختار ، أو واحد من المختارين والذي سيظهر دين محمد (ص) . كما قال (ع) انه جاء ليمهد الطريق لمحمد (ص) ، ولشريعته التي ستكون في زمن نزول عيسى (ع) شريعة أهل الأرض جميعاً .قال تعالى(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)التوبة:33 .
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً)الفتح:28 .
(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) الصف 8-9
.وما بقاء عيسى (ع) إلى اليوم إلا لنصرة دين الله عندما ينزل في زمن ظهور الإمام المهدي (ع) ، ويصلي خلفة وتعد شريعته الإسلامية الحنفية السمحاء ، كما روى الفريقين عن صاحب الشريعة (ص) .الاستبدالكَذَّبَ رسولَ الله (ص) قومُهُ وعشيرتُهُ وأهلُ مدينته وعلماءُ اليهود والنصارى ، ولم يؤمن به الشيوخ ورؤساء القوم ، ولكن آمن به وقبله الغرباء ، أهل المدينة الطيبة المباركة يثرب ، وآمن به الفقراء والمستضعفين والشباب ، وهكذا استبدل الله علماء الدين ورؤساء القوم وبعض من كان يدعي انه ينتظر بعث محمد (ص) بآخرين هم أصحاب محمد (ص) المنتجبين الذين قدمهم أمامه إلى الجنة ، وقتل معظمهم في حياته شهداء محتسبين ، قال تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) الأحزاب:23 . قال تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) الفتح:29 .هؤلاء ثلة غيروا وجه التاريخ ، وبيضوا وجه الإنسانية ، جعفر بن ابي طالب وأبو دجانه الأنصاري وحنظلة غسيل الملائكة وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحه والمقداد وعمار وجندب بن جنادة وسلمان المحمدي الفارسي الأصل وكثيرين غيرهم ، ربما لم يذكر التاريخ لبعضهم اسم ولا رسم ممن حاربوا الفساد والمفسدين ، ولم يطلبوا علواً في الأرض ، معروفين في السماء مجهولين في الأرض ، فطوبى لهم وحسن مآب ، وجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ، لنصرهم دين الله في أرضه ونصرتهم لسيد الأنبياء وسيد الأوصياء محمد وعلي عليهما وعلى آلهما صلوات ربي وسلامة . وقريب من هذا ما حدث مع من سبق محمد (ص) من الأنبياء كما مر علينا أن علماء اليهود لن يؤمنوا بعيسى (ع) ، ولم يؤمن بعيسى أهل مدينته الناصرة ، التي تربى فيها جاء في الإنجيل : (وخرج من هناك وجاء إلى بلدة يتبعه تلاميذه وفي السبت اخذ يعلم في المجمع فتعجب اكثر الناس حين سمعوه وقالوا من أين له هذا ؟ وما هذه الحكمة المعطاة له وهذه المعجزات التي تجري على يديه ؟ أما هو النجار بن مريم ، وأخو يعقوب و يوسي و يهوذا و سمعان ؟ اما أخواته عندنا هنا ورفضوه . فقال لهم يسوع لابني بلا كرامة إلا في وطنه ، وبين أقربائه وأهل بيته وتعذر على يسوع أن يصنع أي معجزه هناك ، سوى انه وضع يدية على بعض المرضى فشفاهم ، وكان يتعجب من قلة أيمانهم ثم سار في القرى المجاورة يعلم ) إنجيل مرقس إصحاح 6 .كما ورد في بعض الروايات أن بعض الشيعة لن يؤمنوا بالمهدي (ع) ، كما لم يؤمن السنة بآبائه (ع) . (سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا).بل أن بعض العلماء غير العاملين الذين يعتقد الجاهل انهم قريبين منه لن يؤمنوا به ، قال الأمام الصادق (ع) : ( … وكذلك القائم فانه تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه ، ويصفو الأيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف والتمكين ولهم الأمر المنتشر في عهد القائم … وقال (ع) كل ذلك لتتم النظرة التي أوجبها الله لعدوه إبليس ، إلى أن يبلغ الكتاب اجله ، ويحق القول على الكافرين ويقرب الوعد الذي بينه الله في كتابه بقوله :(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)وذلك إذ لم يبقى من الإسلام إلا اسمه ومن القران إلا رسمه ، وغاب صاحب الأمر بإيضاح العذر له في ذلك لاشتمال الفتنه على القلوب ، حتى يكون اقرب الناس أليه اشد عداوة له ، وعند ذلك يؤيده الله بجنود لم تروها ، ويظهر دين نبيه على يديه ، ويظهره على الدين كله ولو كره المشركون )[sup][3][/sup]
[1] - بحار الانوار ج19 ص22 .
[2] - تفسير الأمام العسكري .
[3] - تفسير الصافي للفيض الكاشاني : في تفسير سورة النور .
http://ar.al-mehdyoon.org/sunna/al-sunna/hegra.html