بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله رب العالمين
وصلى الله على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
من جميل ما قرأت هذا التشبيه لمعاني القرآن الكريم
من قصة بلوهر وبوداسف
قال ابن الملك : أفرأيت ما يأتي به الرسل والانبياء إذ زعمت أنه ليس بكلام الناس ، وكلام الله عزوجل هو كلام وكلام ملائكته كلام ، قال الحكيم : أما رأيت الناس لما أرادوا أن يفهموا بعض الدواب والطير ما يريدون من تقدمها وتأخرها وإقبالها وإدبارها لم يجدوا الدواب والطير تحمل كلامهم الذي هو كلامهم ، فوضعوا من النقر والصفير والزجر ما يبلغوا به حاجتهم وما عرفوا أنها تطيق حمله ، وكذلك العباد يعجزوا أن يعلموا كلام الله عزوجل وكلام ملائكته على كنهه وكماله ولطفه وصفته فصار ما تراجع الناس بينهم من الاصوات التي سمعوا بها الحكمة شبيها بما وضع الناس للدواب ، والطير ولم يمنع ذلك الصوت مكان الحكمة المخبرة في تلك الاصوات من أن تكون الحكمة واضحة بينهم ، قوية منيرة شريفة عظيمة ، ولم يمنعها من وقوع معانيها على مواقعها وبلوغ ما احتج به الله عزوجل على العباد فيها وكان الصوت للحكمة جسدا ومسكنا ، وكانت الحكمة للصوت نفسا وروحا ، ولا طاقة للناس أن ينفذوا غور كلام الحكمة ، ولا يحيطوا به بعقولهم ، فمن قبل ذلك تفاضلت العلماء في علمهم ، فلا يزال عالم يأخذ علمه من عالم حتى يرجع العلم إلى الله عزوجل الذي جاء من عنده ، وكذلك العلماء قد يصيبون من الحكمة والعلم ما ينجيهم من الجهل ، ولكن لكل ذي فضل فضله ، كما أن الناس ينالون من ضوء الشمس ما ينتفعون به في معائشهم وأبدانهم ولا يقدرون أن ينفذوها بأبصارهم فهي كالعين الغزيرة ، الظاهر مجراها ، المكنون عنصرها ، فالناس قد يجيبون بما ظهر لهم من مائها ، ولا يدركون غورها وهي كالنجوم الزاهرة التي يهتدى بها الناس ، ولا يعلمون مساقطها ، فالحكمة أشرف وأرفع وأعظم مما وصفناها به كله ، هي مفتاح باب كل خير يرتجى ، والنجاة من كل شر يتقى ، وهي شراب الحياة التي من شرب منه لم يمت أبدا ، و الشفاء للسقم الذي من استشفى به لم يسقم أبدا ، والطريق المستقيم الذي من سلكه لم يضل أبدا ، هي حبل الله المتين الذي لا يخلقه طول التكرار ، من تمسك به انجلى عنه العمى ، ومن اعتصم به فاز واهتدى ، وأخذ بالعروة الوثقى .