بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وال محمد الائمة والمهدين وسلم تسليما كثيرا
محمد (ص) الداعي إلى الله في مكةقال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) التوبة 128 ـ 129 .
كان المجتمع المكي ينقسم إلى فئتين أو ثلاث ... الأولى هم : الذين يقودون عملية الانحراف بالشريعة الحنيفة واتباعهم . وهؤلاء قد تلبسوا بالعبادات الباطلة ، سواء في عقائدهم كعبادة الأصنام أو أحكامهم الشرعية ، كتحريم البحيرة والحام ، وهؤلاء هم سادة القوم وعلماءهم ، فمن الطبيعي أن يكون اتباعهم معظم أهل مكة . أما الفئة الثانية : فهم الذين وجدوا آباءهم ضالين ، أو الذين ضلوا في ذلك المجتمع المنحرف عن الصراط المستقيم ، ولكنهم كانوا غير راضين عن حالهم المزري ، بل أن بعضهم كان في حالة ثوره داخل نفسه على تلك الأوضاع الفاسدة . أما الفئة الثالثة : فهم شرذمة قليلون مرابطون على الحق ، أي الديانة الحنيفة الصحيحة ، أو ما وصل لهم منها ، وعلى اقل تقدير منهم موحدون . فلما بعث النبي (ص) كان بشرى بالنسبة لهؤلاء المؤمنين الذين كانوا يترقبون بعثه ويتضرعون إلى الله ليريهم مناسكهم ، كما كان النبي (ص) ملجأ حصيناً وكهفاً أميناً لكل ضال ، يتخبط في ظلمات الجاهلية ، ويبحث عن نور الحق وميزان العدل ، والصراط المستقيم . وهكذا بعث النبي (ص) في مكة أم القرى المدينة التي يحج إليها الناس ، والمدينة التي تمثل المرجعية الدينية للأحناف . ليبدأ بالاصلاح من المركز الديني في الجزيرة العربية المركز الذي طاله كثير من الفساد في العقائد والأحكام وبعث النبي (ص) بالشريعة الإسلامية المجددة للحنفية والناسخة لبعض أحكامها . فشريعة إبراهيم (ع) هي الأقرب للنفوس والأوفر حظا أن ينظم تحت لواءها اليهود والنصارى الذين يقدسون إبراهيم (ع) ويعتبرونه أبا للأنبياء العظام (ع) ، وبدأ النبي محمد (ص) الشجاع الذي لا يخشى في الله لومة لائم بإنذار المنحرفين من عشيرته ، بأمر الله سبحانه وكانت حادثة الدار المعروفة ، وبلغ النبي (ص) أقرباءه ببعثه ونبوته كما عين في ذلك اليوم بأمر الله سبحانه وتعالى ، وصيه ووزيره وخليفته في حياته وبعد موته علي ابن ابي طالب (ع) ، وبدأت الدعوه إلى الله ينتشر في مكة وبدا لسادة مكة أن مصالحهم مهدده ، فاخذوا يخططون بشتى الطرق لإيذاء النبي (ص) وقتله لو أمكن ، وضرب الإسلام . والنبي (ص) ووصيه والمؤمنون يدعون إلى الله دون توقف ، وهكذا اخذ عدد المسلمون بالازدياد . كما أن أذى المشركين اشتد وبدأوا يعذبونهم ، ويمنعون النبي (ص) من تبليغ رسالة السماء . وهكذا دفع النبي (ص) إلى المرحلة الثانية : الهجرة إلى الله . قال تعالى: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) النساء 100 .
وبدأ النبي (ص) يبحث عن قاعدة إسلامية ، ومدينه يهاجر إليها ، واخذ يلقى الناس في مواسم الحج ويقول لهم: (هل من رجل يحملني إلى قومه ، فان قريش منعوني أن ابلغ كلام ربي)[1] وقريش لم يتركوه حتى في موسم الحج ، بل كانوا يحملون الناس على تكذيبه والاستهزاء به . وهو يقابلهم بالتسامح والصبر .روي انه كان يقول ما معناه: (ربي اغفر لقومي انهم لا يعلمون)[2] .وفي ظل تلك الظروف المؤلمة جاء لرسول الله (ص) وفد من نصارى الحبشة مع جعفر ابن ابي طالب (ع) عند عودته إلى مكة بعد هجرته ، وجماعه من أصحاب رسول الله (ص) إلى الحبشة ، وكانوا النصارى بضع وثلاثين رجلا : (فلما جلسوا إلى رسول الله (ص) واطّلعوا على صفاته وأحواله وسمعوا ما تلي عليهم من القرآن آمنوا كلهم ، فلما علم بذلك أبو جهل اقبل إليهم قائلا ما رأينا ركباً أحمق منكم ! .. أرسلكم قومكم تعلمون خبر هذا الرجل ، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال ، فقالوا :سلام عليكم لانجاهلكم ، لنا ما نحن عليه ، ولكم ما انتم عليه ، لم نأل أنفسنا خيرا ) . فنزل في حقهم قوله تعالى(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون * وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ )… ) http://ar.al-mehdyoon.org/sunna/al-sunna/mekka.html
[1] - فقه السيرة البوطي ص 160 . .
[2] - بحار الانوار ج95 ص167 .